يعتبر مفهوم التسامح واحدًا من المفاهيم المثيرة للجدل. ولعل من أسباب ذلك أنه لا يعمل على الارتقاء بمستوى المبادئ أو الأخلاقيات الفعلية على غرار ما يحدث في المفاهيم الأخرى (المتمثلة في الاحترام والحب والمعاملة بالمثل). ويرى النقاد الليبراليون أنه من غير اللائق أن يتم اعتبار السلوكيات أو العادات التي نظهر التسامح معها شذوذ أو انحراف عن المعايير السائدة أو يكون لدى السلطات الحق في أن تفرض عقوبة على ذلك. والأفضل من وجهة نظر هؤلاء النقاد هو التأكيد على بعض المفاهيم الأخرى مثل التحضر أو المدنية والتعددية أو الاحترام.بينما يعتبر النقاد الآخرون أن التسامح في مفهومه المحدود يعد أكثر نفعًا؛ حيث إنه لا يحتاج إلى أي تعبير زائف يجيز التعصب ضد جماعات أو ممارسات وأفعال رفضها المجتمع في الأساس.
تتخذ المساحة الفاصلة والواصلة بين الكيانات اللغوية، الثقافية والهوياتية؛ كالأمازيغية والعروبة ، تجاه المشترك الإنساني من قيم التسامح والتعايش والحق والكرامة واحترام الآخر، ساحة للتفاعل ، بالتجاذب والتنافر وبالتقابل والتضاد ..
فإذا كان الرأي العام بمسبقاته الإيديولوجية وبالإسقاطات الذاتوية، تشكل عوائق معرفية في الحقل الايبستيمولوجي، فإن تلك العوائق تزداد تصلباً عندما يتلبس الخطاب لبوس السياسوي، المُمعن في شحذ كل الأدوات الحربية، ورص المتاريس، كجدران عنصرية، تمييزية واستبعادية، متبادلة بين الكيانات الإثنية واللغوية؛ الأمازيغية/ العروبة؛ تنغلق تلك الكيانات على ذاتها، فتتصنع شرنقات عازلة وهي تبحث، توهماً وتوهيماً عن جواهرها. تميل المجتمعات المحلية إلى إنتاج العصبيات والزعامات المحلية الضيقة الأفق
الأمازيغية / العروبة، ترتدَُُُ إلى بناها التقليدية. يزداد إحكام الانسداد، ضمن حصون قلاعها، فتصير كحبات رمل متجاورة ، لا يخترقها تيار التواصل الواسع والتلاقح الفكري والروحي وخلط الأعراق والأفكار والمشاعر والمصالح.
فكيف يمكن الانفكاك من دوائر الانسداد لمعانقة قيم التسامح والحق ؟
وكيف يمكن لخطاب الأمازيغية/ العروبة ، في المغرب، أن يقوم بالفعل، على الحداثة كخيار فكري وسياسي، يسند مشروع تحديث الدولة والمجتمع، بالتعايش والتسامح ضمن المجموع الوطني والجهوي –العربي، أو حتى الكوني؟
أضحت الأمازيغية، الآن، في المغرب، خطاباً ثقافياً- لغوياً، هوياتياً وسياسياً. تسكن الأمازيغية، لسان مجتمعات، من شمال إفريقيا.
تتجاورُ الأمازيغية مع العروبة من حيث أنهما يمثلان ألسنَ(اللسان) وثقافات معيشة، أو من حيث أنهما يشكلان خطابات سياسية. يتموقع الخطابان: الأمازيغي والعروبي، ككيانين مستقلين متفاعلين؛
فأما الخطاب الأمازيغي، فإنه ينتج كما العربي قيمهُ، كما الخطاب العربي، بالنظر إلى العوامل المختلفة وحتى المتناقضة والمركبة، التي تشكله، في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية والتاريخية. كل تلك العوامل قد تؤدي به إلى وضع وموقع معين في فترة زمنية محددة، أو تطور ذلك الوضع في التاريخ، ضمن التفاعل مع المجموع اللغوي والثقافي الوطني أو الجهوي أو حتى الكوني؛
ومن ثم، قد يكون لزاما، إبداء بعض التوضيحات المنهجية:
• الفصل بين أشكال الثقافة الأمازيغية المعيشة وما بين الخطاب الذي تحمله الحركة الثقافية-السياسية الأمازيغية؛
• كما أنه من المهم التمييز، من جهة بين النهج التزامني (السانكروني)، الذي يولي أهمية كبرى للشروط الثقافية والفكرية الخاصة بفترة زمنية محددة. وبالتالي يتيح معالجة متعيّنة لمفهوم التسامح أوالتعايش الذي يراد تحديده. وما بين النهج التعاقبي (الدياكروني)، القادر على تتبع بناء المفهوم، وتواصل دلالته وتغيرها عبر فترات مختلفة؛
يعتبر التسامح والتساهل الفكري من المصطلحات التي تُستخدم في السياقات الاجتماعية والثقافية والدينية لوصف مواقف واتجاهات تتسم بالتسامح (أو الاحترام المتواضع) أو غير المبالغ فيه لممارسات وأفعال أو أفراد نبذتهم الغالبية العظمى من المجتمع. ومن الناحية العملية، يعبر لفظ "التسامح" عن دعم تلك الممارسات والأفعال التي تحظر التمييزالعرقي والديني. وعلى عكس التسامح، يمكن استخدام مصطلح "التعصب" للتعبير عن الممارسات والأفعال القائمة على التمييز العرقي والديني الذي يتم حظره. وعلى الرغم من ابتكار مصطلحي "التسامح" و"التساهل الفكري" للتعبير في المقام الأول عن التسامح الديني مع طوائف الأقليات الدينية عقب الإصلاح البروتستانتي، فقد شاع استخدامهما بشكل متزايد للإشارة إلى قطاع أكبر من الممارسات والجماعات التي تم التسامح معها أو الأحزاب السياسية أو الأفكار التي تم اعتناقها على نطاق واسع.