دكتوره اسراء سمير تكتب عن: دور الأحزاب السياسية فى تنمية الوعى السياسى لدى الشباب

يمر المجتمع بالعديد من التغيرات المرتبطة بثورة 25 يناير والتي هدفت إلى تحقيق الحرية والکرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية وهذا يتطلب من مواطنيها العمل والإنتاج والبناء والممارسة الفاعلة والحوار المستمر بين جميع الأطراف وذلک من أجل بناء مصر الجديدة وإقامة دولة مدنية حديثة.
وتعتبر فئة الشباب الجامعي من أکثر فئات المجتمع التي تأثرت بالتغيرات المستحدثة في القيم ونمط التفکير ودرجة الطموح والمسئولية ومستوى الانتماء للمجتمع الأمر الذي يؤکد على ضرورة تضافر کافة الهيئات العاملة في مجال رعاية الشباب لتقديم الرعاية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية لهذه الفئة، للنهوض بها واستثمار ما لديها من إمکانات وقدرات هائلة في تنمية المجتمع
إذا کان الإنسان هو هدف التنمية وأداتها تصبح التنمية الحقيقية هي عملية تنمية قدراته المعرفية والابتکارية عملية تنحاز أساساً للفئات المحرومة وأن تکون عادلة ومتوازنة في توزيع الأعباء والفوائد وهو ما لم يتحقق إلا عن طريق مشارکة حقيقية في صنعها والأحزاب السياسية تنشأ تلبية لحاجات وخدمة الأفکار، وتحقيقاً لغايات محددة، وتتضمن برامج الحزب أفکاراً تتعلق بالقانون والحکومة وبشکل النظام السياسي، أي هي منظمة بدرجة عالية وتتمرکز مصادر الظاهرة الحزبية حول الثورات الکبرى
ومن هذا المنطلق فطريقة تنظيم المجتمع تسعى لتحقيق الأهداف المادية والأهداف المعنوية التي تتصل ببناء قدرة المجتمع من خلال التثقيف والتنوير وتنمية وعي الشباب للإحساس بمجتمعه وإدراکه لمشکلاته وإيجاد الرغبة في العمل المشترک لمواجهتها والعمل على حلها عن طريق مساهمتهم مساهمة فعالة لتحقيق هذا الهدف ولا يمکن أن يتحقق ذلک إلا إذا کان الشباب على مستوى ثقافي مناسب ولعى فهم عميق بحقائق وأوضاع مجتمعهم
الکلمات المفتاحية:  دور الأحزاب  السياسية– تنمية الوعي السياسي- الشباب
Summary: Society is going through many changes related to the January 25 revolution, which aimed to achieve freedom, national dignity and social justice, and this requires its citizens to work, produce, build, actively practice and continue dialogue between all parties in order to build a new Egypt and establish a modern civil state.
The university youth category is considered one of the most affected groups in society that has been affected by the new changes in values, thinking style, degree of ambition, responsibility, and level of belonging to the community, which confirms the necessity for all bodies working in the field of youth welfare to come together to provide social, psychological, economic and cultural care for this group, to advance it and invest what they have. Huge potential and capabilities in community development
If the human being is the goal of development and its tool, real development becomes the process of developing his cognitive and innovative capabilities, a process that is essentially biased towards the disadvantaged groups, and that it is fair and balanced in the distribution of burdens and benefits, which is not achieved except through real participation in its creation, and political parties are created to meet the needs and serve ideas, and to achieve goals The party’s programs include ideas related to law, government, and the form of the political system, meaning it is highly organized and the sources of the partisan phenomenon are centered around major revolutions.
From this standpoint, the method of organizing society seeks to achieve the material goals and moral goals related to building the capacity of society through education and enlightenment and developing youth awareness to sense their community and its awareness of its problems and to create a desire for joint action to confront them and work to solve them through their effective contribution to achieve this goal. This cannot be achieved. Unless the young people are at an appropriate cultural level and have a deep understanding of the realities and conditions of their society.
Keywords: The role of political parties-developing political awareness – youth.

إذا كان الحزب السياسى فى أبسط تعريفاته هو اجتماع مجموعة من الأفراد حول برنامج سياسى اقتصادى اجتماعى معين لتحقيق أهداف تخص المصلحة العامة من خلال اكتساب ثقة أكبر قدر ممكن من الناخبين الذين يعبرون عن الرأى العام فى الوصول إلى السلطة وممارستها لتنفيذ هذا البرنامج، فإن التجارب الحزبية المتنوعة والدراسات السياسية أفرزت أدوارا كثيرة للأحزاب السياسية تصب كلها فى إطار خدمة المجتمع وعمليات التنمية المختلفة به وتلبية احتياجات أفراده، حسب الظروف التى يمر بها هذا المجتمع والأزمات التى يواجهها والاحتياجات التى يسعى لإشباعها، وبدأت بعض الأحزاب المصرية خلال الفترة الأخيرة فى الاهتمام بالدور المجتمعى الذى كنا نفتقده خلال التجارب الحزبية السابقة.

فقد ظهرت عدة تجارب حزبية فى مصر ارتبط كل منها بظروف المجتمع وقتئذ، وجمعت بينها بعض السمات، وشهدت سبعينيات القرن التاسع عشر ــ عقب إنشاء مجلس شورى القوانين ــ أول حزب مصرى هو الحزب الوطنى العرابى الذى كان نتاج أفكار الزعيم أحمد عرابى مع زملائه من رجال الجيش المصرى وبعض علماء الأمة، الذين قاموا بوضع لائحة (برنامج) تتضمن الأفكار التى توافقوا عليها، ونشر أحمد عرابى فى مذكراته مقتطفات من هذه اللائحة الطويلة، وجاء الاحتلال البريطانى ليدمر هذا الحزب ويعيد صياغة جميع الأوضاع بمصر فى إطار حماية مصالحه الخاصة.

ومع تصاعد الاهتمام بالقضية الوطنية جاءت التجربة الحزبية الأولى المتكاملة (1907 ــ 1914) التى شهدت تأسيس عدد كبير من الأحزاب السياسية منها حزب الأمة بقيادة أحمد لطفى السيد، وحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية للشيخ على يوسف، والحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل، والحزب الوطنى الحر بقيادة محمد وحيد الأيوبى (وكان حزبا مواليا للاحتلال البريطاني)، والحزب الجمهوري، وغيرها لم ينتبه أى منها للدور المجتمعي، وانتهت التجربة بقيام الحرب العالمية الأولى وفرض الحماية البريطانية على مصر.

وحتى فى التجربة الحزبية الثانية (1919ــ 1953) التى ضمت أحزابا متنوعة على رأسها الوفد بقيادة سعد زغلول، والحزب الديمقراطى والحزب الاشتراكى الذى تحول لاحقا إلى الحزب الشيوعى المصرى قبل أن يتم حظره، والأحرار الدستوريين، ومصر الفتاة، وحزب العمال، وحزب الفلاح، أجهض الصراع بين الاحتلال البريطانى والقصر الملكى وحزب الوفد حركة التطور الديمقراطي، ولم يكن الدور المجتمعى للأحزاب السياسية واضحا نتيجة تحكم الإقطاع وسيطرة رأس المال على السلطة.

لكن مع قيام ثورة 23 يوليو وسيطرة التنظيم السياسى الواحد، لعبت الدولة دورا اساسيا فى تطبيق العدالة التجتماعية، واعتبر البعض أن السياسات الاجتماعية الناجحة هى بديل عن الصراع الحزبى الذى لم يستفد منه الشعب شيئا، ومع الاتجاه للانفتاح السياسى والاقتصادى عقب حرب أكتوبر بدأت التجربة السياسية الثالثة عام 1976 فى شكل منابر ثم أحزاب مثلت الاتجاهات السياسية الرئيسية الوسط واليمين واليسار، وتطورت إلى عدة أحزاب منها الوطنى والتجمع والوفد والأحرار وغيرها، لكن إغفال معظم هذه الأحزاب للعمل المجتمعى وسط الجماهير أعطى الفرصة لبعض التيارات المتطرفة غير الشرعية فى استغلال العمل المجتمعى للتسلل إلى التجمعات الجماهيرية من خلال بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية والنقابات التى استطاعت السيطرة عليها، ولم تفطن تلك الأحزاب الشرعية إلى أهمية القيام بدورها المجتمعى فى تلبية احتياجات الجماهير فى المجتمعات المحلية، فتركت هذه المهمة إلى جماعات التطرف غير الشرعية.

ورغم الانفجار الكبير فى عدد الأحزاب بعد 25 يناير 2011 الذى وصل الآن إلى نحو 104 أحزاب، إلا أن عددا قليلا منها هو الذى انتبه إلى أهمية الدور المجتمعى للأحزاب الذى يتضمن الالتحام بالجماهير، والمساعدة فى تلبية احتياجاتها، ودعم المشروعات المختلفة لمؤسسات الدولة التى تستهدف الارتقاء بصحة المواطن وتعليمه وتوفير احتياجاته المعيشية ورفع درجة الوعى العام وإعداد كوادر شبابية قادرة على قيادة العمل السياسي، وفى نفس الوقت قطع الطريق على أى محاولة للجماعات غير الشرعية فى العودة لاستغلال العمل المجتمعى للتسلل إلى التجمعات الجماهيرية.

ولعل النموذج الأبرز فى هذا السياق هو حزب مستقبل وطن باعتباره صاحب العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية، فمنذ فترة وهو يقوم بأنشطة مجتمعية مهمة تعكس دوره المفترض فى هذا المجال، من خلال الأمانة المركزية والأمانات المتخصصة مثل الهيئات الاستشارية والشباب والمرأة والمهنيين والعمال والفلاحين وقطاع الأعمال والسياحة والآثار والصناعة والتجارة وغيرها، وقواعد الحزب فى المحافظات.

وهى أنشطة مجتمعية لم تبدأ مع ظهور جائحة كورونا، وانما سبقت ذلك بكثير من خلال أنشطة متعددة منها تنظيم قوافل علاجية فى مختلف المحافظات وإطلاق عديد من المبادرات المجتمعية التى تسهم فى توفير احتياجات المواطنين، دعما للدولة المصرية بمختلف مؤسساتها، وتكثيف نشاط القواعد الحزبية للمساعدة فى حل المشاكل الجماهيرية فى البيئات المحلية، وتحقيق الانتشار بين جميع الفئات الشبابية للاستماع إلى أفكارهم وآمالهم والتفاعل معها، وتنظيم ورش عمل عن الخصائص السكانية ودور المشاركة المجتمعية فى مواجهة ظاهرتى الزواج المبكر وأطفال الشوارع، وإعداد المعلم وتنميته مهنيا، والمبادئ السبعة للجامعات المصرية، وحملات توعية طلاب المدارس من الشباب، ومبادرات مثل «صحتك تهمنا» وتطوير حماية المستهلك ودعم الصناعات الصغيرة ، وتوفير منافذ للسلع الغذائية المدعمة، والمساعدة على احتواء آثار موجة الطقس السيئ التى تعرضت لها مصر فى منتصف شهر مارس الماضى وغيرها من الأنشطة.

ومع ظهور جائحة كورونا، قام مستقبل وطن بحملات فى جميع المحافظات للتوعية بالإجراءات الاحترازية وتوزيع الكمامات والمطهرات والقفازات الطبية، والمشاركة فى عمليات التعقيم والتطهير، وتوزيع السلع الغذائية على العمالة المتضررة من الأزمة والأسر الأكثر احتياجا، والتبرع بكميات من المستلزمات الطبية للمستشفيات بمختلف المحافظات، ورعاية كبار السن ودعم دور المسنين.

وخلال شهر مضان نظم الحزب مبادرة هدية الرئيس عبد الفتاح السيسى لشعبه فى ليلة القدر، والتى تضمنت توزيع عدد من الأجهزة المنزلية والهدايا على أكثر من خمسة آلاف أسرة فى مائة قرية من القرى الأكثر احتياجا، إلى جانب مبادرة حياة كريمة، وتوزيع ملابس العيد على الأسر المستحقة.

وتكمن أهمية هذه المبادرات المجتمعية فى أنها تحقق أهدافا عدة فى وقت واحد، فهى تساعد على تلبية كثير من احتياجات الجماهير، وتفتح الباب واسعا للتفاعل معهم فى جميع القضايا المهمة، وتشجع على روح العطاء والانتماء لدى كافة قطاعات المجتمع، وتضرب المثل على خدمة شعب مصر بدون تمييز أو محاولة لاستغلال الموقف فى استقطابات غير شرعية، وقد بدأت عدة أحزاب فى الدفع بمثل هذه المبادرات وهو أمر مهم لدعم الدور المجتمعى للأحزاب السياسية.