في يوم 12 يونيو من عام 1932، وُلد طفل في حي العباسية بالقاهرة لم يكن يشبه أقرانه. لم يكن مشاغبًا أو صاخبًا، لكنه كان يمتلك شيئًا يصعب وصفه.. حضور خفيف، وابتسامة لا تُنسى. بعد سنوات، سيعرفه المصريون باسم “محمد عوض”، الفنان الذي كانت ضحكته تسبق ظهوره على الشاشة، وكان حضوره كافيًا لطمأنة الجمهور أنهم على موعد مع بهجة خالصة.
من طالب فلسفة إلى نجم مسرح
الغريب أن محمد عوض بدأ طريقه من عالم بعيد عن الكوميديا. التحق بكلية الآداب، قسم الفلسفة بجامعة عين شمس، وتخرج منها، وكان يمكن أن يصبح أستاذًا جامعيًا يناقش “الوجود والعدم” في قاعة مغلقة. لكن شيئًا ما في داخله كان يقول له: “أنت خلقت لتضحك الناس”.
فقرر أن يغيّر مساره. التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وهناك وجده المسرح، كما وجد هو نفسه. لم يكن يحتاج إلى تدريب طويل، فقد كانت الموهبة تسكنه منذ البداية.
نجم على الخشبة.. قبل أن يعرفه جمهور السينما
كانت بدايته الحقيقية في المسرح، وخاصة مع فرق مثل فرقة الريحاني ثم فرقته الخاصة. تنقل بين الكوميديا الخفيفة والفانتازيا الاجتماعية، وقدم أعمالًا علّقت في أذهان الجمهور، منها:
-
“المشخصاتي”
-
“طبق سلطة”
-
“جلفدان هانم”
-
“الدنيا مقلوبة”
تميز بأسلوب بسيط لكنه عميق. لا يصرخ، لا يبالغ، بل يترك الجمهور يضحك من تلقاء نفسه. كما كان بارعًا في تقمص الشخصيات الهزلية دون أن يفقد احترامه كممثل.
السينما تفتح له أبواب النجومية
لم يتأخر محمد عوض عن السينما، فوجد فيها مسرحًا أوسع، وجمهورًا أكبر. وكانت فترة الستينيات والسبعينيات هي ذروة تألقه.
شارك في عشرات الأفلام، تنوعت بين الكوميديا الصريحة والرومانسية الخفيفة، من أبرزها:
-
“إسماعيل ياسين في الطيران” (1954) – من أوائل أفلامه
-
“شباب مجنون جدًا” (1967) – ترك بصمة كبيرة بدور الشاب المندفع
-
“إلحقني بالمأذون” – أشهر أفلامه الكوميدية
-
“العقل والمال” – كوميديا اجتماعية بفكرة عصرية
-
“مطلوب أرملة” – ثنائية ناجحة مع النجمة سهير رمزي
كان ينافس في فترة مزدحمة بالنجوم، مثل فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وعادل إمام، لكنه استطاع أن يحتفظ بمكانته الخاصة. فهو “الكوميديان الطيب”، الذي لا يؤذي أحدًا، ولا يسخر من أحد، بل يضحكك لأنه صادق.
الأب والفنان.. داخل بيته
خارج الكاميرا، كان محمد عوض أبًا حنونًا، وزوجًا محبًا. أنجب ثلاثة أبناء، منهم من دخل مجال الفن، مثل الفنان عفت عوض، كما ارتبط اسمه لاحقًا بالفنان الشاب عوض محمد عوض، الذي سار لفترة في طريق والده.
كان يحاول الموازنة بين نجوميته وحياته الخاصة، ويُعرف عنه أنه لم يكن يحب الظهور الإعلامي الزائد، ويفضل البقاء مع أسرته عندما لا يكون على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا.
الرحيل الصامت.. والنهاية المحترمة
في يوم 27 فبراير 1997، رحل محمد عوض عن عمر ناهز 64 عامًا، بعد حياة فنية امتدت لما يقرب من أربعة عقود، قدّم خلالها أكثر من 80 عملًا بين مسرح وسينما وتلفزيون. لم يكن من أصحاب الأزمات أو العناوين المثيرة، بل غادر الحياة كما عاشها: بهدوء واحترام وابتسامة.
أثره.. لا يزال حاضرًا
حتى اليوم، ما زال الجمهور يضحك على مشاهده وكلماته، ويشاهد أعماله مع الأسرة وكأنها لم تُنتج منذ نصف قرن. محمد عوض يمثل حقبة من الفن المصري الخالي من الابتذال، الكوميديا التي تُضحك الجميع دون أن تُحرج أحدًا.
حكايته ليست فقط حكاية فنان ناجح، بل حكاية إنسان أحب الحياة، فوهبها بسمة.